فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال القاضي أبو محمد: وهذا قريب من الذي قبله، وقرأ ابن أبي عبلة {ولو زالتا} وقوله: {من بعده} فيه حذف مضاف تقديره من بعد تركه الإمساك، وقالت فرقة: اتصافه بالحلم والغفران في هذه الآية إنما هو إشارة إلى أن السماء كادت تزول والأرض كذلك لإشراك الكفرة فيمسكهما الله حلمًا منه عن المشركين وتربصًا ليغفر لمن آمن منهم، كما قال في آية أخرى {تكاد السماوات يتفطرن} [مريم: 90] [الشورى: 5].
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ}.
الضمير في قوله: {أقسموا} لكفار قريش، وذلك أنه روي أن كفار قريش كانت قبل الإسلام تأخذ على اليهود والنصارى في تكذيب بعضهم بعضًا وتقول لو جاءنا نحن رسول لكنا أهدى من هؤلاء وهؤلاء، و{جهد أيمانهم} منصوب على المصدر، أي بغاية اجتهادهم، و{إحدى الأمم} يريد اليهود والنصارى، و النفور البعد عن الشيء والفزع منه والاستبشاع له، و{استكبارًا} قيل فيه بدل من النفور، وقيل مفعول من أجله، أي نفروا من أجل الاستكبار، وأضاف {المكر} إلى {السَّيِّىء} وهو صفة كما قيل دار الآخرة، ومسجد الجامع، وجانب الغربي، وقرأ الجمهور بكسر الهمزة من {السَّيِّىء} وقرأ حمزة وحده {السَّيِّىء} بسكون الهمزة وهو في الثانية برفع الهمزة كالجماعة، ولحن هذه القراءة الزجاج ووجهها أبو علي الفارسي بوجوه منها أن يكون أسكن لتوالي الحركات كما قال: قلت صاحب قوم على أن المبرد روى هذا قلت صاح، وكما امرؤ القيس: السريع:
اليوم أشربْ غير مستحقب ** إثمًا من الله ولا واغل

على أن المبرد قد رواه فاشرب وكما قال جرير: البسيط:
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ** ونهر تيرى ولن تعرفْكم العَرب

وقرأ ابن مسعود {ومكرًا سيئًا}، قال أبو الفتح: يعضده تنكير ما قبله من قوله: {استكبارًا}، و{يحيق} معناه يحيط ويحل وينزل ولا يستعمل إلا في المكروه، وقوله: {إلا بأهله}، أي أنه لابد أن يحيق بهم إما في الدنيا وإلا ففي الآخرة فعاقبته الفاسدة لهم، وإن حاق في الدنيا بغيرهم أحيانًا فعاقبة ذلك على أهله، وقال كعب لابن عباس: إن في التوراة من حفر حفرة لأخيه وقع فيها، فقال ابن عباس: أنا أوجدك هذا في كتاب الله تعالى: {ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله}، و{ينظرون} معناه ينتظرون، و السنة الطريقة والعادة، وقوله: {فلن تجد لسنة الله تبديلًا} أي لتعذيبه الكفرة المكذبين، وفي هذا توعد بين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ}.
لما بيّن أن آلهتهم لا تقدر على خلق شيء من السموات والأرض بيّن أن خالقهما وممسكهما هو الله، فلا يوجد حادث إلا بإيجاده، ولا يبقى إلا ببقائه.
و أن في موضع نصب بمعنى كراهة أن تزولًا، أو لئلا تزولا، أو يحمل على المعنى؛ لأن المعنى أن الله يمنع السموات والأرض أن تزولا، فلا حاجة على هذا إلى إضمار، وهذا قول الزجاج.
{وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ} قال الفرّاء: أي ولو زالتا ما أمسكهما من أحد.
و أن بمعنى ما.
قال: وهو مثل قوله: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} [الروم: 51].
وقيل: المراد زوالهما يوم القيامة.
وعن إبراهيم قال: دخل رجل من أصحاب ابن مسعود إلى كعب الأحبار يتعلم منه العلم، فلما رجع قال له ابن مسعود: ما الذي أصبت من كعب؟ قال: سمعت كعبًا يقول: إن السماء تدور على قُطْب مثل قطب الرّحَى، في عمود على مِنكب مَلَك؛ فقال له عبد الله؛ وددتُ أنك انقلبت براحلتك ورحلها، كذب كعب، ما ترك يهوديَّته! إن الله تعالى يقول: {إن الله يُمسِك السمواتِ والأرضَ أن تزولا} إن السموات لا تدور، ولو كانت تدور لكانت قد زالت.
وعن ابن عباس نحوه، وأنه قال لرجل مقبل من الشام: من لقِيت به؟ قال كعبًا.
قال: وما سمعته يقول؟ قال: سمعته يقول: إن السموات على منكب مَلَك.
قال: كذب كعب، أما ترك يهوديَّته بعدُ! إن الله تعالى يقول: {إِن الله يُمسِك السموات والأرض أن تزولا} والسموات سبع والأرضون سبع، ولكن لما ذكّرهما أجراهما مجرى شيئين، فعادت الكناية إليهما، وهو كقوله تعالى: {أَنَّ السماوات والأرض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30] ثم ختم الآية بقوله: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} لأن المعنى فيما ذكره بعض أهل التأويل: أن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا من كفر الكافرين، وقولِهم اتخذ الله ولدًا.
قال الكلبي: لما قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله، كادت السموات والأرض أن تزولا عن أمكنتهما، فمنعهما الله، وأنزل هذه الآية فيه؛ وهو كقوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} [مريم: 89 90] الآية.
قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} هم قريش أقسموا قبل أن يبعث الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، حين بلغهم أن أهل الكتاب كذّبوا رسلهم، فلَعنوا مَن كذّب نبيَّه منهم، وأقسموا بالله جلّ اسمه {لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} أي نبيّ {لَّيَكُونُنَّ أهدى مِنْ إِحْدَى الأمم} يعني ممن كذّب الرسل من أهل الكتاب.
وكانت العرب تتمنى أن يكون منهم رسول كما كانت الرسل من بني إسرائيل، فلما جاءهم ما تمنَّوْه وهو النذير من أنفسهم، نفروا عنه ولم يؤمنوا به.
{استكبارا} أي عُتُوًّا عن الإيمان {وَمَكْرَ السيىء} أي مكر العمل السيىء وهو الكفر وخَدْع الضعفاء، وصدّهم عن الإيمان ليكثر أتباعهم.
وأنّث {مِن إِحدى الأمم} لتأنيث أُمّة؛ قاله الأخفش.
وقرأ حمزة والأخفش {ومكر السَّيِّىء وَلا يَحِيق الْمَكْرُ السَّيِّىءُ} فحذف الإعراب من الأوّل وأثبته في الثاني.
قال الزجاج: وهو لحن؛ وإنما صار لحنًا لأنه حذف الإعراب منه.
وزعم المبرِّد أنه لا يجوز في كلام ولا في شعر؛ لأن حركات الإعراب لا يجوز حذفها، لأنها دخلت للفرق بين المعاني.
وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش على جلالته ومحله يقرأ بهذا، قال: إنما كان يقف عليه، فغلط من أدّى عنه، قال: والدليل على هذا أنه تمام الكلام، وأن الثاني لما لم يكن تمام الكلام أعرب باتفاق، والحركة في الثاني أثقل منها في الأوّل لأنها ضمة بين كسرتين.
وقد احتج بعض النحويين لحمزة في هذا بقول سيبويه، وأنه أنشد هو وغيره:
إذا اعوججن قلتُ صاحِبْ قَوِّمِ

وقال الآخر:
فاليوم أشْرَبْ غيرَ مُسْتَحْقِبٍ ** إثمًا مِن الله ولا واغلِ

وهذا لا حجة فيه؛ لأن سيبويه لم يجزه، وإنما حكاه عن بعض النحويين، والحديث إذا قيل فيه عن بعض العلماء لم يكن فيه حجة، فكيف وإنما جاء به على وجه الشذوذ ولضرورة الشعر وقد خولف فيه.
وزعم الزجاج أن أبا العباس أنشده:
إذا اعوججن قلت صاح قوّم

وأنه أنشد:
فاليوم اشرب غير مستحقِبٍ

بوصل الألف على الأمر؛ ذكر جميعه النحاس.
الزمخشريّ: وقرأ حمزة {ومكر السَّيّىءْ} بسكون الهمزة، وذلك لاستثقاله الحركات، ولعله اختلس فظن سكونًا، أو وقف وقفة خفيفة ثم ابتدأ {ولا يحِيق}.
وقرأ ابن مسعود {ومَكْرًا سيئًا}.
وقال المهدويّ: ومن سكّن الهمزة من قوله: {وَمَكْرَ السيىء} فهو على تقدير الوقف عليه، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، أو على أنه أسكن الهمزة لتوالي الكسرات والياءات، كما قال:
فاليوم اشرب غير مستحقب

قال القشيريّ: وقرأ حمزة {ومكر السيىءْ} بسكون الهمزة، وخطّأه أقوام.
وقال قوم: لعله وقف عليه لأنه تمام الكلام، فغلط الراوي وروي ذلك عنه في الإدراج، وقد سبق الكلام في أمثال هذا، وقلنا: ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأه فلابد من جوازه، ولا يجوز أن يقال: إنه لحن، ولعل مراد من صار إلى التخطئة أن غيره أفصح منه، وإن كان هو فصيحًا.
{وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ} أي لا ينزل عاقبة الشرك إلا بمن أشرك.
وقيل: هذا إشارة إلى قتلهم ببدر.
وقال الشاعر:
وقد دفعوا المنية فاستقلت ** ذراعًا بعد ما كانت تحيق

أي تنزل، وهذا قول قُطْرُب.
وقال الكلبيّ: {يَحِيق} بمعنى يُحيط.
والحَوْق الإحاطة، يقال: حاق به كذا أي أحاط به.
وعن ابن عباس أن كعبًا قال له: إني أجد في التوارة: من حفَر لأخيه حُفرةً وقع فيها؟ فقال ابن عباس: فإني أوجِدُك في القرآن ذلك.
قال: وأين؟ قال: فاقرأ {ولا يَحِيق المكر السيىء إلا بِأهلِهِ}.
وفي أمثال العرب من حفَر لأخيه جُبًّا وَقع فيه مُنْكَبًّا وروى الزُّهريّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَمكر ولا تُعِن ماكرًا» فإن الله تعالى يقول: {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ}، ولا تَبْغِ ولا تُعنْ باغيًا فإن الله تعالى يقول؛ {فَمن نَكَث فإنما يَنْكُثُ على نفسِهِ} [الفتح: 10] وقال تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ} [يونس: 23] وقال بعض الحكماء:
يأيها الظالم في فعله ** والظلم مردود على من ظلم

إلى متى أنت وحتى متى ** تُحصي المصائب وَتنسى النِّعم

وفي الحديث: «المكر والخديعة في النار» فقوله: «في النار» يعني في الآخرة تدخل أصحابها في النار؛ لأنها من أخلاق الكفار لا من أخلاق المؤمنين الأخيار؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في سياق هذا الحديث: «وليس من أخلاق المؤمن المكر والخديعة والخيانة» وفي هذا أبلغ تحذير عن التخلق بهذه الأخلاق الذميمة، والخروج عن أخلاق الإيمان الكريمة.
قوله تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ} أي إنما ينتظرون العذاب الذي نزل بالكفار الأولين.
{فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلًا} أي أجرى الله العذاب على الكفار، ويجعل ذلك سُنة فيهم، فهو يعذب بمثله من استحقه، لا يقدر أحد أن يبدّل ذلك، ولا أن يحوّل العذاب عن نفسه إلى غيره.
والسُّنّة الطريقة، والجمع سُنَن.
وقد مضى في آل عمران وأضافها إلى الله عز وجل.
وقال في موضع آخر: {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} [الإسراء: 77] فأضاف إلى القوم لتعلّق الأمر بالجانبين؛ وهو كالأجل، تارة يضاف إلى الله، وتارة إلى القوم؛ قال الله تعالى: {فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ} [العنكبوت: 5] وقال: {فإذا جاء أجلهم}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ الله يُمْسِكُ السموات والأرض أَن تَزُولاَ}.
استئنافٌ مسوقٌ لبيانِ غايةِ قُبحِ الشِّركِ وهو له أنْ يمسكهما كراهةَ زوالِهما أو يمنعهما أنْ تزولا لأنَّ الإمساك منع {وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا} أي مَا أمسكهما {مِنْ أَحَدٍ مّن بَعْدِهِ} من بعدِ إمساكِه تعالى أو من بعدِ الزَّوالِ. والجملةُ سادَّةٌ مسدَّ الجوابينِ ومِن الأوُلى مزيدةٌ لتأكيدِ العُمومِ والثَّانيةُ للابتداءِ {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} غيرَ معاجلٍ بالعقوبةِ التي تستوجبُها جناياتُهم حيثُ أمسكَهما وكانتا جديرتينِ بأنْ تهدّا هدًا حسبما قال تعالى: {تَكَادُ السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض} وقُرئ ولو زَالَتا.
{وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أهدى مِنْ إِحْدَى الامم} بلغ قُريشًا قبل مبعثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ أهلَ الكتابِ كذَّبوا رسلَهم فقالُوا لعنَ الله اليَّهودَ والنَّصارَى أتتُهم الرُّسلُ فكذَّبُوهم فوالله لئن أتانا رسولٌ لنكونَّن أهدى من إِحدى الأممِ اليَّهودِ والنَّصارَى وغيرِهم أو من الأمَّةِ التي يُقال لها إِحدى الأممِ تفضيلًا لها على غيرِها في الهُدَى والاستقامةِ.
{فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ} وأيُّ نذير أشرفُ الرُّسُلِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ {مَّا زَادَهُمْ} أي النَّذيرُ أو مجيئةُ {إِلاَّ نُفُورًا} تُباعدًا عن الحقِّ {استكبارا في الأرض} بدلٌ من نُفورًا أي مفعولٌ له {وَمَكْرَ السيىء} أصلُه وإنْ مكرُوا السَّيءَ أيَّ المكرَ السَّىءَ ثم ومكرًا السَّيءَ ثم ومكرَ السيء وقرىء بسكونِ الهمزةِ في الوصلِ ولعلَّه اختلاسٌ ظُنَّ سُكوتًا أو وقفةٌ خفيفةٌ وقرىء مكرًا سيِّئًا {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ} أي ما ينتظرونَ {إِلاَّ سُنَّةَ آلاْوَّلِينَ} أي سُنَّة الله فيهم بتعذيبِ مكذِّبيهم {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} بأنْ يضع موضعَ العذابِ غيرَ العذابِ {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلًا} بأنْ ينقله من المكذِّبين إلى غيرِهم. والفاءُ لتعليلِ ما يُفيدُه الحكمُ بانتظارِهم العذابَ من مجيئهِ ونفيُ وجدانِ التَّبديلِ والتَّحويلِ عبارةٌ عن نفيِ وجودِها بالطَّريقِ البُرهانِّي وتخصيصُ كلَ منُهما بنفيٍ مستقلَ لتأكيدِ انتفائِهما. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الله يُمْسِكُ السموات والأرض أَن تَزُولاَ}.
استئناف مقرر لغاية قبح الشرك وهو له أي إن الله تعالى يحفظ السماوات والأرض كراهة زوالهما أو لا تزولا وتضمحلا فإن الممكن كما يحتاج إلى الواجب سبحانه حال إيجاده يحتاج إليه حال بقائه، وقال الزجاج: {يُمْسِكُ} بمعنى يمنع و{أن تزولا} مفعوله على الحذف والإيصال لأنه يتعدى بمن أي يمنعهما من أن تزولا، وفي البحر يجوز أن يكون أن تزولا بدل اشتمال من السماوات والأرض أي يمنع سبحانه زوال السماوات والأرض، وفسر بعضهم الزوال بالانتقال عن المكان أي أن الله تعالى يمنع السماوات من أن تنتقل عن مكانها فترتفع أو تنخفض ويمنع الأرض أيضًا من أن تنتقل كذلك، وفي أثر أخرجه عبد بن حميد وجماعة عن ابن عباس ما يقتضيه، وقيل: زوالهما دورانهما فهما ساكنتان والدائرة بالنجوم أفلاكها وهي غير السماوات، فقد أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وعبد بن حميد عن شقيق قال: قيل لابن مسعود إن كعبًا يقول: إن السماء تدور في قطبة مثل قطبة الرحى في عمود على منكب ملك فقال: كذب كعب إن الله تعالى يقول: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ} وكفى بها زوالًا أن تدور، والمنصور عند السلف أن السماوات لا تدور وانها غير الافلاك، وكثير من الإسلاميين ذهبوا إلى أنها تدور وأنها ليست غير الأفلاك، وأما الأرض فلا خلاف بين المسلمين في سكونها والفلاسفة مختلفون والمعظم على السكون، ومنهم من ذهب إلى أنها متحركة وأن الطلوع والغروب بحركتها ورد ذلك في موضعه، والأولى في تفسير الآية ما سمعت أولا وكذا كونها مسوقة لما ذكرنا، وقيل إنه تعالى لما بين فساد أمر الشركاء ووقف على الحجة في بطلانها عقب بذلك عظمته عز وجل وقدرته سبحانه ليتبين الشيء بضده وتتأكد حقارة الأصنام بذكر عظمة الله عز وجل {وَلَئِن زَالَتَا} أي إن أشرفتا على الزوال على سبيل الفرض والتقدير، ويؤيده قراءة ابن أبي عبلة {وَلَوْ زَالَتَا} وقيل إن ذلك إشارة إلى ما يقع يوم القيامة من طي السماوات ونسف الجبال.